سيرة رجل ...!
عبدالله بن عبدالعزيز السلطان
في قرار مكين كان نطفة صغيرة مهينة, جُعلت في رَحم أمه, كي ينشأ فيه بلطف الله وعنايته, فما زالت عليه الشهور تتوالى, وهو من طور إلى طور, في نمو وتطور مستمر, فأصبح ذو عظم بعد أن كان مضغة حتى كُسيت عظامه لحماً برحمة الله فخرج طفلاً يصرخ لا يدري أين هو! .
فتولاه الله برحمته, فرباه صغيراً – كما رباه في بطن أمه - وتكفل برزقه, وذلك ليهيئه إلى أمر عظيم خُلقت له البشرية بأجمعها جِنَّها وانسِها, ذكرها وأنثاها, أمرٌ جليل جاء ذكره في كتاب ربنا بقوله جل جلاله ( إلا ليعبدون ) .
تررع الصغير وعناية الله به ظاهرة, عروقه الصغيرة تضخ الدماء إلى أرجاء جسده, وقلبه لا يكل ولا يمل من هذا الضخ المتوالي, وآلاف الخلايا في عمل مستمر لبناء جسم هذا الطفل, الذي لا يجيد سوى الصَّـياح واللعب .
هيأ الله له الأرض بأكملها ليعينه على آداء ما أمره, وهذا من رحمته حيث أعانه وقواه, فصب له المطر من السماء, وأنبت له الزرع, وأحل له ما في الأرض, وجعل له مما لذ وطاب أصنافاً شتى .
ها هو قد كبُرَ وعقِل, وجعل أمر ربه حيال ناظريه, فتجده مع الراكعين الساجدين يقرأ القرآن, ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, نعم .. قد بدت عليه بعض الهفوات لكنه سرعان ما يتذكر فضل ربه وسعت رحمته وفرحه جل جلاله لتوبة عبده, فيتوب لذلك ويستغفر وهو رافع أكفه إليه قد سال من عينه الدموع, ورق قلبه للخشوع .
فما زال كذلك يؤدي الفرائض ويزيد عليها النوافل ويفعل ما يرضي ربه, حتى أحبه, فنادى جل جلاله لجبريل في سماءه : (إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ) فينادي جبريل : (إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض) ,ويزيده الله برحمته إيماناً وتوفيقاً (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) .
حتى كبر سنه وهَرم, ودنا من الموت, وقد حفظه الله كما حفظ هو أوامره منذ شبابه, جاءه ملك الموت, وإذا هو بالملائكة حوله وهم بيض الوجوه, فيأتي ملك الموت عند رأسه قائلا : (أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ) فتنسل نفسه من جسده كالقطرة, سهلة يسيرة زكية, فـ(يخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض) فتوضع في الكفن من الجنة وها هي الملائكة تصعد به إلى السماء, فما تمر نفسه عند ملا في السماء إلا سُئلَ : ما هذه الروح الطيبة ؟ ( فينادى بأحب أسماءه ) إنه فلان بن فلان.
فلما دُفن جسده عاد إلى حيث كان, عاد إلى جسده فأيقضاه ملكان, وهو في حفرة لا يكاد المرء يلف فيه مضجعه, لا هواء ولا ماء, ولا أقارب, فيسألانه, من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ فعند إذن (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ ).
هذه سيرة رجل قد ثبته الله في هذا الموطن, وسيوفقه برحمته لدخول جنته, إنه فهم معنى الحياة, ففعل ما أمر الله به, ولم ينسى نصيبه من الدنيا ولذاتها, بل أخذ منها ما يعينه على الوصول إلى الآخرة, فهنيئا له على صبره وعمله, وهنيئا له على توفيق الله له .
فلنكن كهذا العبد الصالح