لقد حرص الإسلام على أن ينأى بالناس عن الشهوات الحيوانية والأخلاق الشيطانية ، والنفس بطبيعتها كثيرة التقلب والتلون تؤثر فيها المؤثرات وتعصف بها الأهواء والأدواء ، فالنفس أمارة بالسوء ، تسير بصاحبها إلى الشر ، فإن لم تُستوقف عند حدها وتلجم بلجام التقوى والخوف من الله وتأطر على الحق أطرا ، وإلا فإنها داعية لكل شر وهوى ومعصية ، والنفس بطبيعتها إذا أُطعمت طعمت ، وإذا فوضتَ إليها أساءت ، وإذا حملتها على أمر الله صلحت ، وإذا تركت إليها الأمر فسدت .
لماذا الشهوة..؟
الشهوة من نعم الله تعالى على العبد ، والمحظور فيها صرفها في المحظور ، يقول بن تيمية رحمه الله تعالى " إن الله تعالى خلق فينا الشهوات واللذات لنستعين بها على كمال مصالحنا ، فخلق فينا شهوة الأكل واللذة فيه ، فإن ذلك في نفسه نعمة وبه يحصل بقاء جسومنا في الدنيا ، وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه نعمة ، وبه يحصل بقاء النسل ، فإذا استعين بهذه القوى على ما أَمَرَنا ، كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة ، وكنا من الذين أنعم الله عليهم نعمة مطلقة ، وإن استعملنا الشهوات فيما حَظَرَه علينا بأكل الخبائث في نفسها ، أو كسبها كالمظالم ، أو بالإسراف فيها ، أو تعدينا أزواجنا أو ما ملكت أيماننا : كنا ظالمين معتدين غير شاكرين لنعمته " [ الاستقامة 1/341 ]
أثر الشهوات على الإنسان :
الشهوة إما أن يُحكم توجيهها فتأخذ ثمارها وإما أن يغفل الإنسان عن توجيهها فتدمر صاحبها ، يقول ابن القيم رحمه الله : الصبر على الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة وإما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة ، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه وإما أن تذهب مالا بقاؤه خير من ذهابه ، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة ، وإما أن تشمت عدواً وتحزن ولياً ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول ..الخ "
أسباب تفشي الشهوات :
1. ذهاب خوف الله عز وجل من القلوب وقلة الحياء منه قال صلى الله عليه وسلم: « استحيوا من الله حق الحياء» [ رواه الترمذي ]
2. غياب العصمة الإيمانية وقلة المراقبة في الخلوات والجلوات وتقوية الإيمان في القلب بزيادة الطاعات واجتناب المنكرات.
3. التهاون بالصغائر وعدم الدقة في التزام أوامر الله جل وعلا والانتهاء عما نهى عنه قال تعالى :{ ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن }.
4. غياب التربية الأسرية في البيوت فالآباء في شهواتهم وأعمالهم وتحصيل أرزاقهم ، والأمهات مشغولات بمتابعة الإذاعات ومشاهدة الشاشات والزيارات والجديد من الأزياء والموضات .
5. وسائل الإعلام بأنواعه من مرئي ومسموع ومقروء والتي غزت العقول والقلوب والنفوس .
6. تيسير المحرم وتكثير سبل الغواية وطرق الفاحشة وتنوعها في الأسواق والطرقات والمحلات والمراكز الضخمة والشركات الهائلة إلى غير ذلك ..
7. الأسواق العامة وما فيها من اختلاط وتبرج ودعوة إلى الإثارة والإغراءات المحرمة من كشف للوجه وتجميل له وإبداء لمفاتن الجسد .
8. غياب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر والتساهل فيه وعدم الاهتمام به والرفع من شانه وأنه صمام المجتمع .
9. إدخال ما يثير مكامن الشهوة ويخمر العقل ويفسد الروح من آلات وأجهزة وفضائيات تحرف الشباب وتثير الفتيات وتفسد ذوات الخدور .
10. أصدقاء السوء والفراغ والتساهل بالحرام والبحث عن مثيرات الشهوة من مجلات وصحف وجرائد وانترنت وفضائيات ، مع الإمكانية من الخلوة بالمرأة ومعاكستها ومكالمتها ، فكل هذه من أسباب تفشي الشهوة وزيادتها .
قواعد في التعامل مع الشهوات :
1. التربية الإيمانية المتكاملة التي تتضمن معاني التقوى والمراقبة والخوف والرجاء والمحبة ، حتى يصبح العبد إنسانا سويا شابا تقيا نقيا لا تستهويه مادة ولا تستعبده شهوة { قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي } « ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله »
2. الحذر من النظرة المسمومة ، فهي رائدة الشهوة وسهم من سهام إبليس ، فالنظرة تولّد خطرة ، والخطرة تولد الفكرة ، والفكرة تولد الشهوة ، فاحذر هذه النظرة ، وقديما قيل : حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات ، وصدق القائل :
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
3. التفطن لمدافعة الخطرات إذا تولدت في الذهن ، لأنها مبدأ الخير والشر ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، ومن ثم توجب التصورات ، والتصورات تدعوا إلى الإرادات ، والارادات تقتضي الفعل ، ولذلك فإن من راع خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه وشهوته .
4. لزوم الاستقامة والسعي الجاد في تحقيقها ، والاستعانة قبل ذلك بالحي القيوم الذي لكمال حياته وقيوميّته لا تأخذه سنة ولا نوم .
5. التعفف والاستعانة بالصوم ، فإنه يكسر جماح الشهوة ، ويخفف من لهيبها « يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء » [ رواه البخاري ] .
6. المسارعة إلى الزواج وتحصين الفرج واختيار الزوجة الصالحة فبها تحصل العفة ويتزن العقل وتخبو الشهوة « ثلاثة حق على الله عونهم .. ومنهم : والناكح الذي يريد العفاف » [ رواه الترمذي ]
7. الابتعاد عن كل ما يثير مكامن الشهوة من ألفاظ غزلية ، ونكت فاحشة ، وقصص هابطة وروايات تافهة « ليس المؤمن بالطعّان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء » [ السلسلة الصحيحة 320 ]
8. الفرار من الأماكن العامة ومنتديات الترفيه والأسواق قدر المستطاع لما فيها من اختلاط وتبرج ودعوة إلى الإثارة والإغراءات المحرمة ، والقاعدة في هذه قصة يوسف عليه الصلاة والسلام { واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر } فالفرار الفرار فإن كان لا بد وارتياد هذه الأماكن فليكن الوقت على قدر الحاجة .
9. النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، وهذه قاعدة لا مناص للنفس منها ، وإن كان أهل الجنة يتحسرون على ساعة لم يذكروا الله فيها ، فكيف بمن أضاع وقته وأمضى عمره في المعاصي والشهوات .
10. الدعاء الدعاء فهو وربي السلاح الذي لا يخون ، وخاصة في زمن يُسِّرت فيه الفاحشة وكُثِّرت فيه سبل الغواية ، ولا تيأس وأكثر فالله أكثر وعليك بـقول " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " و " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى "
وحتى لا تنساق وراء الشهوات فاحذر ..
1. الوعيد الأليم والعذاب الرهيب في الدنيا والبرزخ ويوم العرض على الله قال تعالى:{ .. ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا }
2. الشيطان وتعهده بإضلال بني آدم قال تعالى: { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين }
3. السير وراء الشهوات ، فإن حال من يجري وراء الشهوة كالذي يشرب من ماء البحر ..أتراه يَروى ..؟
4. فساد القلب وموت الضمير وذهاب الورع وسواد الوجه وقلة الغيرة ومحق البركة وقلة الهيبة وغضب الرب تبارك وتعالى .
5. سوء الخاتمة ، فليس شيء أصعب على العبد من أن يُختم له بخاتمة سيئة ، والتعلق بالشهوات واستيلاءها على القلب من أكبر أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله .
6. المخاطر والأدواء والأوجاع قبل الممات ، فهي وربي سنة ماضية تلاحق أهل الفجور الشهوات و « ... لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يُعلنوا بها ، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا » [ رواه ابن ماجة ] .
7. تحقق العقوبة الإلهية على منتهكي أعراض المسلمين ، فالجزاء من جنس العمل ، وهذه وربي قاعدة شرعية وسنة لا تتخلف ، ورحم الله الشافعي يوم قال :
عفوا تعفَّ نساؤكم في
المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلــم
إن الزنى دين فإن أقرضتــه
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزن يُزن به ولو بجـداره
إن كنت يا هذا لبيبا فافهــم
وأخيرا ..
فإن من أرضى الجوارح باللذات والشهوات ، فقد غرس لنفسه شجر الحسرات الندامات .
وهذا مقطع
للشيخ محمد صالح المنجد
عن
صراع مع الشهوات
وهذا مقطع
للشيخ عبدالعزيز احمد
عن
شهوات على الهواء !!
اللهم اهدنا لخير الاخلاق والافعال لايهدي لخيرها الا أنت.[/