بقلم/ أ.جاسم محمد المطوع.
ركبت سيارة الأجرة في إحدى العواصم العربية، وبدأت أتحدث مع السائق عن حاله، فحدثني عن مشكلة عائلية واجهته منذ خمس سنوات عندما طلبت منه زوجته الطلاق وتركت له ستة أولاد أصغرهم عمره سنة واحدة، فتفرغ لتربيتهم، وقام بدور الأم، حتى قال لي: إنه كان يضطر لترك عمله من أجل أن يطبخ لهم.
فقلت له: ولماذا لم تتزوج أخرى لتساعدك في تربية الأولاد؟ فالتفت إلي وأجاب: ومن يتحمل أن يربي ستة أولاد معي وأنا حالتي المالية كما تشاهد.
ثم تحاورنا في الموضوع وكان كثيراً ما يردد كلمات الشكر والحمد لله على ما قضى وأنه يأمل من هذا الابتلاء أن يكون سبباً في دخوله الجنة.
ورجل آخر متزوج ولم يرزق بالأبناء، وبعد مرور عشر سنين من المحاولات الدائمة والفشل في الإنجاب يتزوج بأخرى، فدخل في ابتلاء الضرة، ثم حملت الثانية بتوأمين، فقضي تسعة أشهر من حياته، وكانت كما يقول أسعد أيام حياته، وهو ينتظر التوأم، ولكن المفاجأة كانت أنه عندما ولدت زوجته مكث الوالدان أياما ثم توافاهما الله تعالى، فصبر واحتسب، ولو رأيته الآن لتعلمت منه درساً في الصبر والرضا بقضاء الله تعالى.
إن الحديث عن الابتلاء سهل ويسير، وتقديم محاضرة في الصبر أسهل، لا يكلف المحاضر سوى التحضير، ولكن مكابدة الابتلاء والصبر عليه لحظة بلحظة مع الشعور بخير القضاء، وفائدة ما قدره الله، أمر صعب وعظيم.
ولهذا نلاحظ أن بيت النبي صلى الله عليه وسلم تعرض لابتلاءات كثيرة، منها أنه فقد ابنه (القاسم) وهو صغير عندما بدأ المشي وعمره سبعة عشر شهراً، ثم فقد ابنه (عبدالله) وهو ابن أيام، وبعد النبوة توفيت زوجته خديجة، رضي الله عنها، وعمه أبو طالب في عام واحد، وفي السنة الثانية للهجرة توفيت ابنته (رقية)، ثم توفيت (زينب) أختها في السنة الثامنة للهجرة، وفي السنة التاسعة للهجرة توفيت ( أم كلثوم)، ثم قبل وفاته بأيام أخبر (فاطمة) بأنها ستلحقه إلى الرفيق الأعلى، فتوفيت بعده بستة أشهر.
فما أعظم مصيبة رسول الله، حيث فقد أولاده في حياته، وكذلك باقي الأنبياء، فآدم وحواء ابتليا في أولادهم، وابراهيم ابتلاه الله بذبح ابنه، ويعقوب ابتلاه الله بيوسف ابنه، وأم موسى ابتلاها الله بترك ابنها في البحر، وغيرها من الابتلاءات التي يبتلى بها المسلم، وكما قيل: من رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، فهذه خمسة بيوت من بيوت الأنبياء ابتلاها الله في أبنائها، وقد ذكرت في القرآن بتفاصيل دقيقة حتى تكون سنداً لكل أب أو أم يبتليهم الله تعالى في أبنائهم ليختبرهم ويمتحن صبرهم.
قال تعالى: ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات)[ البقرة:155].
ثم ذكر الله: ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إلينا راجعون). [البقرة:156] ويكون الجزاء من الله وحده.
( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) اللهم اجعلنا منهم.
قال ابن عقيل: ما أخوفني أن أساكن معصية ،
فتكون سبباً في حبوط عملي وسقوط منزلة إن كانت لي عند الله تعالى ،
بعدما سمعت قوله تعالى: { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } الحجرات/2.
وقد علق ابن مفلح قائلا :وهذا يجعل الفطن خائفا وجلا من الإقدام على المآثم ، وخوفا أن يكون تحتها من العقوبة ما يماثل هذه .
[ الآداب الشرعية ]
•••••••••
{ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ *
قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } الشعراء/62،61
إنها كلمات الواثق بنصر ربه ، قال { مَعِيَ } ولم يذكر قومه معه ،
بينما قال نبينا عليه الصلاة والسلام { إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } بضمير الجمع ،
ولم يكن معه إلا أبو بكر رضي الله عنه، أليس ذلك يوحي بأن أبا بكر يعدل أمة ؟ [ د . عويض العطوي ]
••••••••••
من كانت معصيته في الشهوة ، فارج له التوبة ،
فإن آدم عليه السلام عصى الله مشتهيا فغفر له ،
ومن كانت معصيته في كبر ، فاخش على صاحبه اللعنة ،
فإن إبليس عصى مستكبراً فلُعن .
[ ابن عيينة ]
••••••••••
استدل بعض أهل العلم بقوله تعالى { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } القصص/29
بأن فيها دليلا على أن الرجل يذهب بأهله حيث شاء ،
لما له عليها من فضل القوامة وزيادة الدرجة ،
إلا أن يلتزم لها أمرا فالمؤمنون عند شروطهم ، وأحق الشروط أن يوفى به ما استحلت به الفروج .
[ القرطبي ]